عدد الرسائل : 137 العمر : 30 تاريخ التسجيل : 27/05/2008
موضوع: طريق السعادة.......... الإثنين أبريل 20, 2009 7:58 pm
السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته
بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام علي اشرف المرسلين
الحمد لله الذي جعل عباده المؤمنين هم السعداء، وأبعدهم عن طُرق الضلالة والشقاء، والصلاة والسلام على إمام الأتقياء وخاتم الأنبياء، نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، رحمة الله للعالمين، وحجته على العباد أجمعين، أرسله ربه هادياً ومبشراً ونذيراً وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً، وعلى آله وصحبه أفضل صلاة وسلام إلى يوم البعث العظيم أما بعد:
فإن السعادة غايةٌ وأملٌ.. يبحث الناس عنها ويسعى كل إنسان إليها.. ولقد سلك الناس في البحث عنها طرقاً متعددةً، وقرأوا وسمعوا واتبعوا مناهجَ شتى بغية الوصول إليها، وكَثُرَ الأدعياءُ الذين زعموا أنهم يعرفون طريقها فضلوا وأضلوا، وخدعوا، واحتلوا نفوسَ كثيرٍ من الناس حينما دلوهم على مناهج بشريةٍ وخيالاتٍ لا تمت للواقع بصلة، بل وعقاقيرَ كيميائيةٍ هدمت ما تبقى من الصفاء والنقاء في النفس البشرية..
وإليك بعض تصورات البشر لطريق السعادة:
فهي عند البعض لعبٌ ولهوٌ وغناءٌ ورقصٌ، وركضٌ بطريقةٍ هستيريةٍ بدون وعيٍ ولا تركيزٍ،كأنهم عقدوا صداقةً حميمةً مع الشيطان، فيظهرون في ثوب السعداء، ثم يَشِفُّ هذا الثوب عما تحته فتجدُ الهمَّ والتعاسةَ والشقاءَ ! وهؤلاء يفرحونَ لحظات ثم تكون الحسرات! وفرقٌ كبيرٌ بين الفرح والسعادة؛ فالفرحُ ساعات أو دقائق أو لحظات، وأما السعادة فهي حياة ودوام وثبات رغم كل المحن والصعوبات.
وعند البعض - من الرجال والنساء- جنسٌ وحبٌ وشهوةٌ حيوانيةٌ،بدون قيدٍ ولا شرطٍ، أو سماع لصوت دين يرون أنه يُحجِّرُ حرياتهم أو يعكر صفوهم وأنسهم.. إلى حين صدمتهم في هذه الشهوات بالتنغيص والهم والزوال، فيبحثون عن تجربة أخرى هي أتعس من سابقتها، ولحظات السعادة في كل ذلك معدودة مهددة دوماً بالزوال.
وفريق آخر يرى السعادة خمر وقمار ينسي الإنسان همومه ودنياه وأحزانه، بل وينسيه نفسه إلى حين وجود البديل.. وفي الحقيقة لا بديل عن الهلاك في الدنيا والآخرة.. والهلاك محقق وسريع.
وآخر يراها في رحلة سياحية إلى مكان يعشقه أو بلد يهواه، لكن على فرض وجود شيء من السعادة فيها، ووجود ما ينفقه من أموال، فما هي إلا أيام وتنقضي ويرجع إلى ما كان عليه.
وآخر يراها في الأموال والأرصدة، والشركات والعقارات؛ التي تحقق له ما يتمنى، وتبعده عن الفقر بمسافات ومسافات... ولكنه يفاجأ بأنها كماء البحر لا يزيد الشارب منه إلا عطشاً.. إضافة إلى الهموم والأحزان والتعب في سبيل الحفاظ عليه، وما يصل إلى شيء يطمئنه قليلاً حتى يفاجأ بأنه قد فقد أشياءً كثيرة كصحةٍ أو راحة بال أو لحظة صفاء.. يتمنى عندئذٍ العودة إلى ما كان عليه، ويكون ذلك حلماً يستحيل تحقيقه، وهاهو أحدُ مشاهير الفن والسينما تقول عنه زوجته: إن زوجي كان ممثلا بسيطا، فقال: أتمنى أن أملك مليون جنيه حتى ولو أصبت بمرض، فقلت له: ما ينفعك المال إذا جاءك المرض؟ فقال: أنفق جزءا من المال في علاج المرض، وأعيش في بقيته سعيدا، فملك أكثر من مليون جنيه، وابتلاه الله بسرطان الكبد، فأنفق المليون جنيه وزيادة، ولم يجد السعادة حتى إنه كان لا يأكل إلا شيئا يسيرا من الطعام، فهو ممنوع من أكل كثير من الأطعمة، وأخيرا، مات بهذا المرض حسيراً نادما ( وهذا لمن اتخذ المال غاية الحياة ومنتهى السعي لا من اتخذه وسيلة لشيء أعظم وهو رضى الله عز وجل)
وانظر إلى هذا إنه يراها رئاسة وزعامة وشهرة ترضي غرور نفسه وطموحها، فيعمل ليعلو ويعلو ثم يفاجأ بالقاعدة التي تقولما طار طير وارتفع إلا كما طار وقع) ويفاجأ بالذين صفقوا له عند الصعود، ينتظرونه بالمُدى- السكاكين- عند الوقوع.. وانظر إلى نهاية (أدولف هتلر) زعيم ألمانيا النازية كيف كانت نهايته بعد أن بلغت شهرته الآفاق.. لقد انتحر هو وزوجته في ليلة واحدة بعد يأسه من الحرب، [موسوعة ويكيبيديا العربية] وغيره كثير..
وأفقر عقلاً من كل ذلك من يراها انتماءً إلى فريق كرةٍ يفرح لانتصاراته ويحزن لانتكاساته !!!
ومن تراها زينة وثياباً؛ فيستحوذ على عقلها أرباب الموضة وبائعوا السراب، وهذه همها أعظم الهموم لأنها في كل لحظة ترى ثوباً أجمل من ثوبها وزينة أبهى من زينتها، فتظل تركض وتركض حتى يضيع الشباب ويذهب الجمال؛ فتذهب للأطباء ليعيدوا لها بعض ما ذهب.. وتبدأ رحلة اللعب والعبث في خلقة الله بدون جدوى، وينطبق عليها قول الشاعر: ذهبت إلى العطار تبغي شبابها * وهل يصلح العطار ما أفسد الدهر
وأعجب من كل ذلك من يرى أن السعادة ضمنها لهم المخلِّص - في اعتقادهم- الذي ضحى بنفسه في سبيل سعادة البشرية؛ فدفع عنها كل جريمة ارتكبتها، بل وكل جريمة سترتكبها، وما عليهم إلا أن يفعلوا ما يحلو لهم! ولا شك أن الصدمة لا يمكن وصفها؛ عندما يأتي المخلِّص ويتبرأ منهم ومن ضلالهم.
ثم انظر لترى فريقاً آخر ظلم البشرية حينما حُسب عليها؛ إنهم يسيرون بعقيدة: (إِنْ هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ) [المؤمنون : 37]أي: ما حياتنا إلا في هذه الدنيا، يموت الآباء منا ويحيا الأبناء، وما نحن بمخرجين أحياء مرة أخرى. فيأكلون ويشربون، ولا يفكرون في شيء بعد هذه الحياة. وغير ذلك حدث ولا حرج.
ونتيجة كل ذلك:
همومٌ وغمومٌ! وبشريةٌ معقدةٌ معذبةٌ تائهةٌ، لا تعرف هدفاً للحياة ولا غايةً، وأمراضٌ نفسيةٌ لا حصر لها، وانحطاطٌ أخلاقي، وفساد اجتماعي لا مثيل له في أي عصر من العصور، وأزمات من كل نوع للأفراد والجماعات ، والأمثلة على ذلك تفوق الحصر وإليكم واحداً منها: إنه للرجل اليوناني (أوناسيس)الذي كان يمتلك جُزراً وأساطيل للشحن وتقدر ثروته بمليارات الدولارات، وأراد أن يجمع الشهرة مع المال فتزوج بزوجة الرئيس الأمريكي(جون كيندي) وما جنى من هذا لزواج إلا الشقاء؛ فقد كان من شروطها، ألا تنام معه في فراش، وألا يسيطر عليها، وأن ينفق عليها الملايين حسب رغبتها، وعاش في شقاء معها إلى أن مات، بعد أن مات ابنه الوحيد (ألكسندر أونا سيس) بعد أن سقطت به طائرة كان يلعب بها، وخلَّف كل ثروته لابنته (كريستينا أوناسيس) التي ظلت تبحث عن السعادة؛ فتزوجت أربع مرات من بلدان مختلفة، منها زواجها ببطل الفروسية البرازيلي (ألفارو ألفونسو دي ميرندا ( وكان حفل زفافهما أسطورياً في مدينة ساوباولو ، والنتيجة فشل في كل زواج، وعندما سئلت عن كثرة زيجاتها قالت: أبحث عن السعادة،وفي حفل أقيم لها في فرنسا، سألها الصحفيون: هل أنت أغنى امرأة؟ قالت: نعم. أنا أغنى امرأة ولكني أشقى امرأة! والنهاية وجدوها ميتة في شاليه في الأرجنتين (عن جريدة الرياض- العدد/13678- وكتاب السعادة بين الوهم والحقيقة للشيخ ناصر العمر باختصار )
1) هو طريق الله – عز وجل- قال تعالى: (وَأَنَّ هَـذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) [الأنعام : 153] إذاً فطريق الإسلام هو طريق الله ووصيته لعباده؛ وهو أعلم بما يُصلحهم، ولا شك أن الشقي هو الذي يترك طريق الله، ويرجو السعادة في طُرق البشر.
2) الطريق الوحيد للسعادة فلا سعادة بحال في غيره قال تعالى: (...فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى* وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى [طه : 123-124] فالسعادة لمن سلك الطريق واتبع الهدى، والضنك لمن تولى وأعرض وإن ظهر أنه من المشاهير أو النجوم المشار إليهم..والضنك: هوالضيق والشقاء في الدنيا والآخرة [انظر تفسير الطبري].
3) لكل سؤال جواب: لكي يسعد الإنسان؛ يحتاج إلى الإجابة على أسئلته المصيرية، لمن هذا الكون، لماذا خُلقتُ؟ وإلى أين أسير،..؟ ولا يوجد هذا حقيقة إلا في طريق الإسلام والإيمان، ومن الشقاء أن يجهل الإنسان الغاية من الحياة، وإلى أين المصير! كالشاعر الذي يقول: جئتُ لا أعلم من أين ولكني أتيتُ، ولقد أبصـرتٌ قُدَّامي طريقاً فمشيتُ، وسأبقى ماشياً إن شئتُ هذا أم أبيـتُ كيـف جئـتُ؟ كيـف أبصـرتُ طريقي ؟ لـستُ أدري! [من شعر إيليا أبو ماضي] وأخذ يردد لست أدري، ويسأل البحر والسحاب، ولو سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي قال لأصحابه مَنْ أَحَبَّ أَنْ يَسْأَلَ عَنْ شَىْءٍ فَلْيَسْأَلْ ، فَلاَ تَسْأَلُونِى عَنْ شَىْءٍ إِلاَّ أَخْبَرْتُكُمْ... وأكثر أن يقول سلوني) [أخرجه البخاري ومسلم] لأجابه عن كل شيء، ولكنه - كما قال- لا يدري!! وما ذكرت هذا إلا أنه عقيدة كثير من البشر وإن كانوا لا يصرحون بها.
4)فيه غذاء الروح والجسد: من المعلوم أن الإنسان مكون من روح وجسد، ولكل غذاؤه، وبعض الطرق والفلسفات الضحلة اهتمت بالروح وأنكرت مطالب الجسد؛ فكانت الانتكاسة، والمادية الحديثة على العكس طمست الروح، وأعطت الجسد كل ما يشتهي؛ فحولت قطاعاً كبيراً من الإنسانية إلى حيوانية اللذات والشهوات! وطريق السعادة يغذي الروح بأنوار السماء، ويحافظ على الجسد ويعطيه ما يصلحه من الحلال الطيب؛ فقد قرر النبي صلى الله عليه وسلم ما قاله سلمان الفارسي رضي الله عنه: (إِنَّ لِرَبِّكَ عَلَيْكَ حَقًّا ، وَلِنَفْسِكَ عَلَيْكَ حَقًّا ، وَلأَهْلِكَ عَلَيْكَ حَقًّا ، فَأَعْطِ كُلَّ ذِى حَقٍّ حَقَّهُ) [أخرجه البخاري].
5)خير الزاد: إن لكل طريق زاداً، وزاد الطريق هنا هو تقوى الله، قال تعالى:(وَتَزَوَّدُواْ فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُوْلِي الأَلْبَابِ)[البقرة:197] وهذا الآية وإن كانت واردة في الحج إلا أنها تلازم المسلم في كل شرائع الإسلام كلها.
6) المعرفة وحدها لا تكفي: فمعرفة طريق السعادة لا تجلب السعادة، وإنما لا بد من السير المتواصل، وهذا يوضح حال بعض المسلمين الذين لا يستجيبون لأوامر الله؛ ويعيشون في الشقاء! ثم يتساءلون: لماذا نفتقد السعادة؟! والجواب: أنهم عرفوا لكنهم ما اتبعوا، أو ساروا مرحلة ووقفوا؛ فعليهم ألا يلوموا إلا أنفسهم .
7) سعادة في أحرج اللحظات: انظر إلى سحرة فرعون لما آمنوا وسلكوا طريق السعادة قال لهم فرعون:( فَلَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُم مِّنْ خِلَافٍ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّنَا أَشَدُّ عَذَاباً وَأَبْقَى [طه : 71] ، وكان ردهم بثبات: ( قَالُوا لَن نُّؤْثِر# عَلَى مَا جَاءنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالَّذِي فَطَرَنَا فَاقْضِ مَا أَنتَ قَاضٍ إِنَّمَا تَقْضِي هَذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا) [طه : 72]، وما ثبتوا على ذلك بعد لحظات من إيمانهم؛ إلا لأنهم سعدوا بهذا الإيمان، والسعادة تهون المشاق، وقد وصف النبي صلى الله عليه وسلم حال الأنبياء والصالحين عند البلاء بقوله: ( ولَأَحدِِهم كان أشدَّ فرحاً بالبلاء من أحدكم بالعطاء) [رواه الحاكم، والبيهقي عن أبي سعيد] ففيه يحفظ الإنسان على سلامته واتزانه.
8) من الدنيا إلى جنة النعيم: من المعلوم أن حياة الناس ثلاث مراحل: الأولى في الدنيا، والثانية في القبر بعد الموت، والثالثة يوم القيامة .وطريق السعادة يمر بهذه المراحل كلها؛ ففي الدنيا قال تعالى: (مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِّن ذ#رٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ)[النحل:97] أي: فلنحيينه في الدنيا حياة سعيدة مطمئنة, ولو كان قليل المال .[التفسير الميسر]
وأما سعادة المؤمن في قبره؛ فنجدها فيما رواه أبو هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إِنَّ الْمُؤْمِن فِي قَبْره لَفِي رَوْضَة خَضْرَاء , وَيُرَحَّب – أي يفسح - لَهُ فِي قَبْره سَبْعِينَ ذِرَاعًا , وَيُنَوَّر لَهُ كَالْقَمَرِ لَيْلَة الْبَدْر) [ حسنه الألباني- صحيح الترغيب والترهيب/3552]
وعن سعادته في الآخرة يقول تعالى: (وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُواْ فَفِي الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ إِلاَّ مَا شَاء رَبُّكَ عَطَاء غَيْرَ مَجْذُوذٍ) [هود : 108] فقد فازوا بالسعادة في الدنيا وبالنعيم الدائم في الآخرة.
- في صحبة الأطهار والأنوار:
من المقرر لدى العقلاء اختيار الرفيق قبل الطريق، والرفقاء في طريق الإسلام – طريق السعادة والهناء- هم الأنبياء والصالحون.. وهي أعظم الرفقة قال تعالى: (وَمَن يُطِعِ اللّهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَـئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاء وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَـئِكَ رَفِيقاً) [النساء : 69] وهذه المعية في الجنة إنما هي ثمرة لصحبة هديهم وسيرتهم في الدنيا، وحبهم والاقتداء بهم؛ والقاعدة النبوية تقول: (المرء مع من أحب) .[رواه البخاري ومسلم]
وانظر على هذا الطريق لترى مِن هؤلاء الأطهار الذين أناروا الطريق للسائرين إلى رب العالمين الخليل إبراهيم (عليه السلام) الذي يخبر عن منزلته عند الله بقوله: ( قَالَ سَلَامٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ ل# رَبِّي إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيّاً) [مريم : 47] ،ولا سعادة أعظم من حفاوة الله بعبده؛ فقد منحه الهداية والأمن، ووصفه بأنه حليم أواه منيب، وبأنه أمة في إيمانه.. ومنهم نبي الله موسى (عليه السلام) الذي طلب من الله مقومات السعادة بقوله: (قَالَ رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي*وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي*...) [طه : 25-26] فأجابه الله تعالى إلى كل ما طلب وأكثر، وأسعده بقوله: ( قَالَ قَدْ أُوتِيتَ سُؤْل# يَا مُوسَى) [طه : 36] وهذا نبي الله عيسى (عليه السلام) يخبر أن الله منَّ عليه بالسعادة وأبعده عن الشقاء بقوله: (قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيّاً* وَجَعَلَنِي مُبَارَكاً أَيْنَ مَا كُنتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيّاً * وَبَرّاً بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّاراً شَقِيّاً) [مريم : 30-32]
وهذا خاتم النبيين وحبيب رب العالمين يقول له ربه قبل أن يسأل : (أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْر#) [الشرح : 1] شرحنا لك صدرك، أي: نورناه وجعلناه فَسيحًا رحيبًا واسعًا، وخفف عليه أعباء الدعوة، ورفع ذكره فوق كل مقام، وقال له: (وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى) [الضحى : 5]، ومن آثار سعادته العظمى قيامه بين يدي ربه حتى تورمت قدماه! فلما سألته السيدة عائشة رضي الله عنها قال لها: « أفلا أكون عبدا شكورا » [رواه البخاري ومسلم]، ومن آثار سعادته صلى الله عليه وسلم قوله لمن جاءوا يعرضون عليه الأموال والرئاسة وزينة الدنيا نظير أن يترك رسالته يا عم لو وضعت الشمس في يميني والقمر في يساري ما تركت هذا الأمر حتى يظهره الله تعالى، أو أهلك في طلبه) [دلائل النبوة للبيهقي]
ولقد سار الصحابة رضوان الله عليهم – وهم خير البشر بعد الأنبياء والرسل - على هذا الطريق؛ فسعدوا وأسعدوا البشرية بسيرتهم.. ثم التابعون لهم بإحسان..ومازال الطريق مفتوحاً على مصراعيه لكل وارد وكل راغب.
نسأل الله أن يجعلنا جميعاً من السعداء في الدنيا والآخرة، إنه خير مأمول وأكرم مسؤول.